Wednesday, January 25, 2017

- الماء.. سلاح #الأسد و #إيران لإغراق هوية #دمشق




يناقش هذا الملف حملة نظام الأسد وميليشيا "حزب الله" اللبناني ضد بلدات وقرى وادي بردى التي تمتد على مساحة جغرافية ضيقة في مركزها, حيث تقع بين ذراعي سلسلتين جبليتين مرتفعتين تحيطان بها من جهة الشمال والجنوب, تتسرب منهما مداخل متعددة للمنطقة, علاوة على الامتدادت الجبلية عند طرفي هذه المنطقة. ونبين دور ميليشيا "حزب الله" اللبناني واستراتيجية الحصار العسكري  لتنفيذ عملية عسكرية بالاشتراك مع نظام الأسد وبغطاء سياسي روسي وصمت دولي للتخلص من 100 ألف من سكان منطقة الوادي في محاولات متكررة، بدأت قبل شهر ونيف, ونجيب في هذا الملف عن عدة أسئلة: كيف ولماذا قصف نظام الأسد نبع عين الفيجة, ومن المستفيد من مياه النبع, والفئات التي لا تحصل على المياه وما هو مصيرها؟ ونفصل الحملة العسكرية الأخيرة والهدف الأساسي لها.
-استراتيجية حصار وتجويع بلدات وادي بردى ودور ميليشيا "حزب الله" اللبناني
 تمثلت هذه الاستراتيجية بتمركز "حزب الله" اللبناني وحلفائه من قوات وشبيحة الأسد في مداخل منطقة وادي بردى من كل الاتجاهات بما يشبه مناطق التحشد في خطط قتال الجيوش فسيطرت على الطريق الرئيسي دمشق- بيروت, والاقتراب من مداخل البلدات والقرى, وقصفها بكافة أنواع الأسلحة, وتشديد حصارها عبر زرع آلاف الألغام, ونشر القناصين على القمم الجبلية المطلة على المنطقة.
 بعد السيطرة على الطريق الدولي دمشق بيروت وضمان خط الإمداد بين ضاحية بيروت الجنوبية وطهران عبر دمشق وريفها, من خلال عزل وحصار منطقة وادي بردى الثائرة.
 جاء سقوط مدينة حلب بيد ميليشيات الأسد وإيران فرصة سانحة للتخلص من المعارضة في محيط العاصمة لتأمينها, فكانت محاولة السيطرة على المنطقة إثر حملة عسكرية منظمة في 23ديسمبر/كانون الأول شنها "حزب الله" اللبناني وقوات نظام الأسد, وكان نبع عين الفيجة الذي يسيطر عليه الثوار العنوان الأبرز في حملة الميليشيات العسكرية  ضد قرى الوادي المحاصرة.
و منذ العام 2012م يعيش في الوادي نحو 1000 ألف من المدنيين, بما فيهم من عشرات الآلاف الذين وصلوا من المناطق المحاصرة الأخرى، يعانون من نقص الغذاء والماء ووسائل التدفئة.
- كيف ولماذا قصف نظام الأسد نبع عين الفيجة
 تتفجر مياه نبع الفيجة من سفح جبل القلعة في عين الفيجة ومنه تشرب مدينة دمشق وضواحيها، وهو نبع غزير إذ تبلغ غزارته في فصل الربيع حوالي 30 متر مكعب في الثانية, وبالإضافة إلى نقاوة المياه فقد أثبتت الفحوص أن ماء الفيجة من أجود المياه على مستوى العالم فالصخور الكلسية التي تختزن هذه المياه بعيدة عن مصادر التلوث بالإضافة إلى خلوّ المياه من الطفيليات والجراثيم. والسؤال كيف قصف نظام الأسد نبع الفيجة؟
أظهرت وسائل الإعلام قصف قوات الأسد بالطيران نبع عين الفيجة في الـ233 من ديسمبر/كانون الأول، حيث أسقطت مروحيات الأسد براميل متفجِّرةٍ شبيهة بقنابل النابالم 
ويُظهر فيديو نُشِر الساعة 16:04 في الـ233 من ديسمبر/كانون الأول أضراراً في عين الفيجة قريباً من الينابيع، ويُظهر الفيديو  أنَّ المنشأة التي توجد داخلها الينابيع، قد تضرَّرت بشكلٍ كبيرٍ خلال  الـ23 من ديسمبر/كانون الأول. وهناك العديد من مقاطع الفيديو، وكذلك الصور، التي تظهر تلك الأضرار، كما أظهرت صور الأقمار الصناعية التي تقارن 25 أكتوبر/تشرين الأول 2016 بـ26 ديسمبر/كانون الأول 2016. الضرر الواضح، بالإضافة إلى ما يبدو أنَّه حفرةٌ بالقرب من مخرج النبع, وهناك أيضاً مقطع فيديو يظهر قصفاً ناتجاً عن هجومٍ من نوعٍ ما قريبٍ للغاية من منشأة النبع. كما يُظهر مقطع الفيديو أيضاً قذيفةً ثانيةً تسقط، وترتطم بمنشأة النبع نفسها.
 واعتماداً على نوع الصمام الذي كان في القذيفة, فإنَّ القذيفة ربما تكون قد انفجرت داخل المنشأة، متسبِّبَةً في الضرر الكبير بالقسم الأوسط من السقف.
ويبقى السؤال متصلا, لماذا قصف نظام الأسد نبع الفيجة؟ 
 قبل عقود مضت, وفي عهد الأسد الأب, حدثت مشاكل حول ري مزروعات فلاحي وادي بردى  بمياه الينابيع، وحينها تدخل الحرس الجمهوري, ومنع الفلاحين من ذلك، ومن ثم جاء رد مؤسسة مياه عين الفيجة بأن هذا يؤثر على حوض بردى.
وأن سقاية الناس أولى, ويقصدون بذلك التجمعات المخالفة التي أنشأها الأسد.
 إن الحملة العسكرية لقوات الأسد وميليشيات إيران مستمرة على وادي بردى حتى القبول بالتسوية، ولو اضطره الأمر لتدمير جميع مصادر المياه وإبقاء دمشق عطشى, فالهدف بحسب نظام الأسد القضاء على "الإرهاب" وهو أهم من المياه في الوقت الحالي، على حد زعمهم. 
 وعرض نظام الأسد على الثوار "المصالحة" والاستسلام والسماح لهم بالانتقال إلى إدلب. ومع ذلك، رفض الثوار العرض المتكرر، وبدلا من ذلك طلبوا تقنيًا لإصلاح النبع، وعندما أرسل نظام الأسد الفنيين منعهم "حزب الله" من دخول الوادي واغتالوا مفوض الأسد اللواء المتقاعد  الغضبان. ودعا ممثلون عن الوادي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتدخل وإجبار النظام و"حزب الله" على الالتزام بوقف إطلاق النار. كما طالبوا بلجنة دولية للتحقيق في تفجير نبع الفيجة والسماح للفنيين بالوصول إليه تحت إشراف الأمم المتحدة.
- المستفيدون من مياه الأسد المجانية
أهم المستفيدين من مياه وادي بردى هي مساكن الحرس الجمهوري وحي الورود والرز بدمر والسومرية ومزة 86 وهي كلها مساكن للطائفة العلوية, بينما حرم سكان الوادي من مياه ينابيعهم.
وعمد نظام الأسد إلى استنزاف مياه الشرب، وري التجمعات المخالفة في محيط العاصمة وفي مناطق في حي المزة  86 الذي أسسه رفعت الأسد عم رأس النظام بشار الأسد، وفرض على أهل المزة التنازل عن أراضيهم واستقدم عائلات سرايا الدفاع التي شكلت تجمعا عشوائيا يستفيد من كل الخدمات بما فيها الحصة الأكبر من مياه عين الفيجة والذين يهدرونها على غسيل سيارات "الجيب واز", والمسابح الخاصة بهم.
- الفئات التي لا تحصل على المياه مرشحة للطرد القسري من العاصمة
 تعاني منذ بداية الثورة أحياء الشيخ سعد والبرامكة وخالد بن الوليد والصالحية من انقطاع المياه لساعات طويلة، وفي حواري دمشق القديمة تفتح المياه لمدة ساعتين صباحاً، وهذا ما يدفع سكان العاصمة إلى محاولة ملء "الكالونات" البلاستيكية كاحتياط للشرب.
 وبعد تعطيل نظام الأسد لمياه عين الفيجة لجأ إلى الآبار الارتوازية لري مؤيديه عبر الصهاريج التي يتم توزيعها على الأحياء العشوائية التي تفطنها الغالبية العلوية كحي المزة 86 وحي الورد والرز والسيدة زينب, وأحياء يسكنها تجار دمشق, بينما حارات دمشق القديمة والشيخ سعد في المزة, وباب شرقي ذي الغالبية المسيحية يضطرون إلى شراء مياه الشرب بأسعار مضاعفة.
- تفاقم حرب المياه وتداعياتها
 تعتمد إمدادات المياه في منطقة حوض دمشق بشكلٍ أساسي على ينابيع وادي بردى وعين الفيجة. إذ يغذّي نبع بردى بحيرة بردى، التي تمثِّل منبع نهر بردى. ويتدفَّق هذا النهر عبر منطقة عين الفيجة في وادي بردى، حيث تنضم إليه المياه من ينابيع عين الفيجة، التي تُسهِم بنحو 65%  من المياه المتدفِّقة حول دمشق. ويوفِّر مصدر المياه هذا الجزء الأكبر من مياه دمشق، إذ تُعالَج وتوزَّع في أرجاء المدينة.
 وتُعَد السيطرة على مياه شرب عدَّة ملايينٍ من الناس أداةً استراتيجية حيوية، وتوفِّر قدراً كبيراً من النفوذ لمن يسيطر عليها. وهذا يمنح فصائل المعارضة التي تسيطر على وادي بردى ورقة ضغط على نظام الأسد.
 واستخدم ثوار الوادي هذه الورقة الضاغطة لمنع توغُّل قوات الأسد في وادي بردى، فضلاً عن غيرها من المناطق التي تسيطر عليها، وذلك عن طريق التهديد بقطع إمدادات المياه عن دمشق.
وحدث عدَّة مرَّاتٍ، لا سيَّما في السادس من يوليو/تموز 20155، عندما قطع مجلس شورى وادي بردى إمدادات المياه لعدة أيامٍ، ردَّاً على هجوم الميليشيات على مدينة الزبداني بريف دمشق, وكان رد نظام الأسد تدمير نبع عين الفيجة وانقطاع المياه عن دمشق لإذلال سكانها, وصرف نظرهم عن مؤتمر "أستانا" وعدم التفكير إلا بالماء, مما يؤدي إلى تقلص إلزامي بعدد سكان العاصمة, وهذا هو هدف الأسد ومعه إيران في الهندسة الديمغرافية للعاصمة ذات الأغلبية السنية.
- الحملة العسكرية ضد وادي بردى والتغيير الديموغرافي
 رغم الهدنة التي أعلنتها موسكو وأنقرة في سوريا لم تهدأ المقاتلات الروسية وتلك التابعة لنظام الأسد بدءا من اليوم التالي لعمليات وقف إطلاق النار وخاصة في سماء "وادي بردى" بريف دمشق الغربي، مستهدفة المدنيين والملاجئ والمساجد المكتظة بالأهالي في خرق صارخ للاتفاق.
 الهدنة التي أعلنت عنها خارجية تركيا بعد التوصل لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة بجميع أنحاء سوريا، وبدأ تطبيقه منتصف ليلة 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي,  انهالت القذائف على الوادي، دون أدنى مراعاة للاتفاق.
وأعلن الجيش الحر أن "ما يحدث في وادي بردى ليس خرقاً للهدنة وإنما هجوم منظم".
واستخدم نظام الأسد, ومعه ميليشيا "حزب الله" اللبناني خلال هجومه على الوادي، منذ الخميس 222 ديسمبر/كانون الأول، مئات قذائف المدفعية والدبابات والإطارات المتفجرة، وآلاف طلقات الرشاشات الثقيلة التي استهدفت منازل المدنيين بشكل مباشر، لتكون هذه الحملة العسكرية الأشرس التي يشنها "حزب الله" وقوات الأسد منذ تحرير المنطقة في العام 2012م.
وبحسب ما نشر ناشطون بمواقع التواصل الاجتماعي: "بلغ عدد الغارات التي استدفهت قرى المنطقة3400 غارة بين صواريخ فراغية وبراميل متفجرة وبراميل محملة بالنابالم الحارق."
 وتتعمد ميليشيات "حزب الله" اللبناني, وقوات الأسد استهداف المدنيين بالوادي منذ بداية القصف؛ ما أدى لخروج الهيئة الطبية، ومركز الدفاع المدني، ومركز الهيئة الإعلامية، ومقاسم الهاتف والكهرباء, ومنشأة نبع الفيجة عن العمل بشكل كامل، دون إمكانية تقديم الإسعافات اللازمة لهم.
 ويحاول نظام الأسد تبرير أعماله العدوانية بإشاعته وجود عناصر من "جبهة فتح الشام" وتنظيم "الدولة" في الوادي، فيما يؤكد  الناطق الرسمي باسم الجيش الحر أن "جميع الموجودين في الوادي هم من الجيش الحُرّ، ومن أهل المنطقة".
 والهدف الأساسي لحملة الميليشيات وحليفها الأسد هو الضغط عسكريًا بهدف إجبار المدنيين على إجراء "مصالحة" تفضي إلى تهجير مقاتلي المعارضة من منطقة وادي بردى بريف دمشق، بعد أن أغلق كافة الطرق المؤدية إلى المنطقة.
 وكانت لجنة أهالي وادي بردى قد طرحت مبادرة على نظام الأسد تتضمن وقف إطلاق النار على قرى الوادي وعودة أهالي قريتي إفرة وهريرة، وإطلاق سراح مُعتقلات لدى النظام تزامنًا مع سماح فصائل المعارضة بدخول ورشات إصلاح خط بردى لضخ المياه إلى العاصمة دمشق, قابلها نظام الأسد بمزيد من التصعيد بهدف تهجير ثوار وأهالي منطقة وادي بردى لاستكمال مخططه في الهندسة الديمغرافية التي ابتدأها قبل سنوات.
خلاصة
 كل معركة يكون فيها طرف خاسر وآخر منتصر, وخسارة وادي بردى ليست سهلة بنتائجها على الثورة, وخاصة العاصمة دمشق وريفها, وليست هي نهاية المطاف, فما الذي أعدته المعارضة المسلحة للحفاظ على ما تبقى من مناطق محررة في ريف العاصمة, خاصة أن ما جرى يدفع الفصائل للقتال مجددا لكسر الحصار عن منطقة الوادي ذات الأهمية الاستراتيجية, وإيقاف حملات الأسد للقضاء على الثورة في تلك المنطقة.
 هذا الجانب يتوقف على الإرادة السياسية التي كانت سببا في نتائج معركة وادي بردى الجارية, فالواجب تحرير الإرادة السياسية من الحسابات الضيقة والمخاوف المتعلقة كي لا يسقط ما تبقى من مناطق ريف العاصمة المحررة, أما إن ظلت المواقف على حالها فإن معارك منظمة أخرى في انتظار الغوطة الشرقية, ولن تتوقف إلا بتهجير سكان هذه المناطق, ووصول الأسد وأشياعه الإيرانيين لتحقيق أغراضهم في التغيير الديمغرافي واستكمال عملية الاحتلال والإحلال والتهجير. وما المواقف الدولية الشاجبة أو الساكتة إلا عبارة عن تلاعب بمسار الثورة السورية يتحمل مسؤوليتها تشرذم فصائل الثورة العسكرية, وتشتت مواقف المعارضة السياسية.

No comments:

Post a Comment