يعلم السوريون، وكل عارف بعموميات الثورة والحرب السورية، أن تنظيم "الدولة"، إنما استحوذ على ما يقرب من ثلث مساحة سوريا بعد افتكاكها من سيطرة الجيش السوري الحر الذي بذل الغالي والنفيس لتحرير تلك المناطق من سيطرة نظام الأسد.
فمنذ بداية نشاطه المشبوه في سوريا عام 2013، نشط التنظيم في المناطق المحررة، وسرعان ما انقلب على القوى الثورية فيها وأعلن احتلاله لها، ولم يتورع عن شن معارك إبادة ضد فصائل الجيش الحر، وحتى "جبهة النصرة" آنذاك، فاستخلص محافظة الرقة كاملة، ومناطق شاسعة في أرياف حلب وإدلب وحماة وحمص وريف دمشق ودرعا والسويداء، ليبدأ بعد ذلك تسليم تلك المناطق تباعاً لقوات الأسد والميليشيات المتحالفة معها، وفق المقتضيات والأولويات العسكرية والسياسية.
وتوضح الخريطة الآن أن تنظيم "الدولة" قد أعاد لنظام الأسد مساحات تفوق مجمل المساحة التي كان النظام يسيطر عليها قبل عام فقط من الآن.
آخر الأنباء الواردة من الرقة، عاصمة تنظيم "الدولة" في سوريا، تقول إنه سيسلمها لميليشيات قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي أطلقت معركة ضده منذ نحو أسبوع، مدعومة بالتحالف الدولي.
وفي هذا الصدد؛ نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن ناشطين من الرقة، بأن وفداً من "ديوان العشائر التابع لتنظيم الدولة" في مدينة الرقة، خرج مساء الجمعة من الرقة، وتوجه إلى بلدة عين عيسى للتفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
وبحسب الصحيفة فقد قال "أبو محمد الرقاوي": "تبلغنا معلومات عن مفاوضات تجري في ريف تل أبيض بين وفد العشائر التابع لتنظيم داعش، وبين مسؤولين في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، تهدف إلى وقف الهجوم على الرقة"، مؤكداً أن "وفد العشائر يحمل مبادرة تقضي بتسليم المدينة إلى قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مقابل تأمين خروج آمن لمقاتلي التنظيم باتجاه ريف دمشق ومدينة دير الزور".
وكانت روسيا قد أكدت هذه المعلومات قبل انطلاق "معركة الرقة"، وأكدت موسكو أن اتفاقاً تم إبرامه بين التنظيم و"قسد" يقضي بتسليم المدينة مقابل خروج آمن.
وبالمقابل، سلم التنظيم مناطق للنظام والميلشيات الشيعية، يستطيعون منها الولوج إلى محافظة الرقة، وهو ما تم لهم بالفعل، بعد انسحابات التنظيم أمامهم بكل سهولة من مدن وقرى ريف حلب الشرقي، حتى انسحب من مدينة "مسكنة" آخر معاقله في حلب، ليدخل النظام بعدها محافظة الرقة المتاخمة، ويستولي على قرى في حدها الغربي، وهو ما تعتبره روسيا ضمانة للنظام في أي مساومات قادمة على إدارة المحافظة بعد طرد تنظيم "الدولة" منها.
أما في الشطر المقابل من البادية السورية، حيث تدور معارك إستراتيجية مصيرية، فقد سلم تنظيم "الدولة" لقوات النظام وحلفائها نحو 20 ألف كيلو متر مربع، تمتد ما بين أرياف دمشق وحمص ودير الزور في البادية السورية، ليؤمن بذلك الطريق لتلك القوات للوصول إلى الحدود العراقية السورية، لتلتقي حلفاءها "الحشد الشعبي العراقي الشيعي" الذين وصلوا الحدود نفسها من الجهة العراقية، ويطبق الطرفان على قوات المعارضة السورية، لولا أن القواعد الأمريكية والحليفة تنبهت للأمر ودعمت فصائل المعارضة للسيطرة على مناطق مفصلية من البادية تمنع إتمام المشروع الإيراني بخلق ممر من طهران إلى المتوسط عبر العراق وبادية الشام.
وبلعبه هذه الأدوار الإستراتيجية والعسكرية، يقول واقع الأرض والأمر، إن تنظيم "الدولة" قد حقق للنظام ما عجز عنه هو وداعموه جميعا بمن فيهم روسيا وإيران بكل قوتهم وجبروت أسلحتهم.
هذا على الصعيد العسكري؛ أما على الصعيد السياسي، فكان للتنظيم الدور الأبرز في "شيطنة" الثورة، ومحاولة إلصاقها بالإرهاب، وشق صف بعض الفصائل العسكرية، فكان العامل الأخطر والأكبر في استعداء العالم على الثورة السورية.
No comments:
Post a Comment